الصراع بين الخير والشر صراع قديم منذ خلق الله الإنسان ، وهو المتمثل في غيرة الشيطان من خلق آخر يستحوذ علي اهتمام الخالق ، فكان أن تفرغ لغواية الانسان وتضليله.
لقد كشفت علاقة الانسان بالشيطان عن عدة أنواع من الصراع ، فهناك صراع الانسان مع مصيره ، وصراعه مع نفسه ، وصراعه مع قوى آخري مثل صراع انسان مع انسان أو مجتمع مع مجتمع .
إننا نضع يدنا علي مستويات الصراع المختلفة التي يدرسها طلبة الفنون المسرحية بتفصيل في القسم المحترم وهو قسم الدراما والنقد.
لم أكن أعلم أن مصير العالم العربي سيكون بهذه الصورة من التقطع والصراعات والحروب ، ولكني كنت أعلم أن هناك من يعملون لمصلحة الشيطان .
فكان أن وضعت المواقف العالمية تحت الميكروسكوب وتفحصت أبعاد هذه الصراعات العالمية ، وكنت ومازلت معجباً بالشخصية المصرية الأصيلة ، ابن البلد الذي يعرف الصح والغلط ، والذي لا يصدأ معدنه مع التجارب المريرة والفقر وعدم تحقق الذات.
كنت قد قرأت ودرست مئات الكتب في السياسة والأدب والشعر والفلسفة والمسرح والسينما والعلوم ، وكنت باختصار حاضر الذهن والأدوات ، وأعتقد أنني لا أزال حاضر الذهن والأدوات بالاضافة الي تراكم خبرات الحياة.
قررت كتابة مسرحية تعبر عن وضع المصريين عند نشوب الصراع مع القوى الشريرة التي تدبر الشر لهذا المصري النموذج.
استعنت من الفلسفة بالوجودية لأن مصير البطل الدرامي يكون بيديه وبقراره وأحب ذلك ، أحب وأؤيد أن يكون للانسان قرار عاقل يتحمل به مسؤلية مايحدث ومايترتب علي اختياره .
واستعنت من الفن بمدرسة البطل الشعبي والواقعية الاشتراكية لأنهما تقدمان البطل الدرامي كشخص ايجابي يملك قراره وبكامل قواه العقلية والنفسية ويواجه الشر بوعي شديد ، وأيضاً هذه يتسق مع تكويني الشخصي باعتباري شخص ينتمي لصنف من الناس يفكر قبل أن يفعل.
واخترت من المجتمع شخصيات بسيطة . والدراما تدور في حارة مصرية ، التي هي خير تمثيل لمصر الكبرى.
لايمكن أن تحذف جملة مما كتبته ، لن تستطيع ، لأنك سوف تهد بناء معمارياً هندسياً دقيقاً موزونا.
لا يمكن لأي مخرج أو معد درامي ( دراماتورج ) أن يقتطع حواراً أو جملة أو شخصية من هذا العمل الفني ، ولا حتي أنا.
ليس بدافع التقديس لما أكتبه ، وأنما كما قلت لأن هذه المسرحية مكتوبة بحسابات تشابه حسابات مهندس المباني ، فإذا هدمت طوبة أو جدار وقع البنيان كله ، وأصبح( خرابة ).
ولم يكن بحثي عن جهة انتاج في المسرح الخاص ، من أجل الشهرة والضحك وترك الحبل لمجموعة من الأراجوزات يصيغون نصي المسرحي علي هواهم لأحصل علي الشهرة ، فهذا ليس المسار الذي أبحث عنه وإنما أبحث عن مسار يتعلق بالجودة ، يتعلق بأمانة الرسالة
مسرحية ( الشياطين في ورطة ) والاسم يعني ماأعنيه ، فهم فعلا في ورطة لأنهم عملوا كل الشر ، وسيطروا علي جهات الأرض وشعوبها وزرعها وبحارها إلا مصر ، ولذلك فهي التحدي الذي الذي سينقذ سمعة الشياطين ويعيد لهم الشعور بالفخر ، فالمصريون عصيون علي الشر وشياطينه ، واذا استطاع الشيطان إغواء مصري فإنه الانتصار الأكبر علي الانسانية، لذلك فالشياطين في ورطة :
الورطة الأولي هي البطالة التي استشرت بين شعب الشياطين حيث لاعمل .
الورطة الثانية هي التحدي الذي فرضه الشيطان علي نفسه باقتحام مصر واغواء المصريين
الورطة الثالثة هي الصراع الذي سينشأ عندما يتماس الشيطان مع انسان مصري ونري كيف يدير كل منهما الصراع ، هل سينتصر الشيطان أم ينتصر الانسان المصري البسيط ؟
البطالة لها عدة معاني ومستويات في المعاني والتفسيرات والنص يتقبل قراءة سينوجرافية عميقة المستوى عند التعامل مع تفسيره بهذا المفهوم أو المدخل الاخراجي ( أي : معالجة المخرج ورؤيته ).
مايمثله الشيطان في مسرحيتي واضح ولا مناورة فهيه : فهو القوى الشريرة في هذا العالم وتتمثل في أمريكا باعتبارها مفجرة الصراعات والحروب ( أكرر المسرحية مكتوبة سنة 1999 ) .
أعود الي الشكل مرة آخري لأقول بأنني اخترت أن تكون المسرحية في اطار كوميدي ، فيه مساحة للخيال أو الفانتازيا ، لأنني أردت تخفيف مضمون المسرحية علي المشاهد وحتي لا يقدم العمل باعتباره تراجيديا ، فوق كل شئ فقد قدمت معالجة ( دكتور فاوست ) التي اخذت منها الفكرة بأسلوب تراجيدي في كل المعالجات العالمية والمحلية وحتى الفيلم المصري القديم أيضا قدمها باعتبار أنها مأساة متأثرين بترجمة المسرحية الأصلية لجوته تحت أسم ( مأساة الدكتور فاوست ) ولكني رأيت أن هناك زاوية أخرى يمكن النظر من خلالها ، زاوية لا تخل بمضمون الحكاية والرسالة التي تحملها وفي نفس الوقت تطرح رؤية جديدة معاصرة، أو بأن هذه الصراع ليس دمويا بقدر ماهو صراع إرادات وإيمانات وضمانة مصرية من الشعب المصري بأنهم سيكونون آخر القلاع الحصينة في وجه القوى الشريرة ، فهل كنت آعرف المستقبل أو الغيب ؟ بالطبع لا
هي فقط قدرة الكاتب الحقيقي المثقف الملم بمعطيات الواقع من حوله الذي يجمع المعلومات ويصنع منها مساراً يمكن من خلال هذا التصور أو المسار أن نري أو نتوقع ماسيحدث.
كان الشكل يهمني بقدر المضمون فكلاهما له حسابات معقدة في الكتابة المسرحية ، وبناء الشخصيات وتخيل آحجامها وتصرفاتها وشكلها الخارجي وبنائها النفسي والسلوكي والذهني وهي عملية معقدة ، وكل من يكتب الرواية أو الأدب أو المسرح يعرف ماذا أعني بحسابات بناء الشخصيات.
أقول هي عملية حسابية تدور في ذهن الكاتب لا يبوح بها ، لأنهم إعتبروها سر الصنعة ، ولكن الحقيقة غير ذلك ، فسر الصنعة ليس في أن تفسر كيف أبدعت شغلك ، ولكن السر يكمن في العمل الفني ذاته .
نصل مرة أخري الي حتمية الاحتفاظ بالبناء الذي قمت بتصميمه ، لأسباب ذكرتها ولأسباب أخري سأبوح بها :
أولا : العمل الفني المحترم لا يجب أن يقتطع منه حتي لو كان المخرج عبقري ومفيس منه 2 لأن المخرج الذي آحب نصاً يختلف عن ذلك المخرج الذي فهم نصاً.
فالذي آحب فهو شخص لا يملك رؤيه ، يتعامل بميزان الأحاسيس التي قد تصيب أو تخيب . أما الذي فهم نصاً ومتحمس لاخراجه فهو مخرج سيحترم النص المسرحي وسيحترم كل صغيرة وكبيرة .
ثانياً : لا يمكن قطع أو اجتزاء مسرحية ( الشياطين في ورطة ) لأن الرسائل التي يتضمنها النص رسائل كثيرة ، وعملية صناعة الرسالة عندي معقدة بمعني أنني قد لا أقول لك الرسالة في المشهد ، بل جزء منها ، وبعد مشهدين آقول لك جزء آخر وهكذا. لماذا ؟
ننا نقدم عملا فنيا ، نريد أن نستمتع بعرض مسرحي وليس بمقال ثوري أو نقدي ، أنا أيضا أضع متعة المتفرج ضمن حساباتي الكثيرة كما قلت وآعرف كيف آجعل الأمور تتداخل وتتشابك لأني أسعي الي حلها في نهاية المسرحية وآسعى الي متعة فنية ( سمعية وبصرية ولونية ) وأضيف متعة جمالية آخري وهي المتعة الذهنية أو ذلك المستوي من المتفرجين أصحاب الثقافة الرفيعة الذين يجدون متعة في فك شفرات رسائل العمل الفني .
الهدف : مخاطبة كل شرائح المتفرجين وتوسيع رقعة المشاهدة وسأكون سعيدا عندما يخرج المتفرجون من دار العرض المسرحي يجلسون علي المقهي يتحاورون حول تفسيرات العمل المسرحي ، وبلغة النقاد : نخاطب مستويات التلقي المختلفة ونسعى لجعل مستويات التلقي تتفق مع اختلاف اذواقهم وثقافتهم بل وجنسياتهم.
أعتمد في بعض الأحيان علي السيميولوجي أو علم لغة الاشارة والعلامة ، التي تشبه بث القناة الفضائية في القمر فهي مشفرة ولذلك نشتري الرسيفر الذي هو جهاز فك ال Data وتحويلها الي صوت وصورة.
الرقص والغناء في المسرحية في مواضع محددة لهدف محدد ، ويعبران جزء أصيل من النص المسرحي والاقتطاع أو الزيادة هو تحوير وتخريب في النص وغير مسموح به عندي.
فكما يقولون هناك مخرج ديكتاتور فأنا أقول هنا أيضاً مؤلف ديكتاتور .
ولكن تعسف المؤلف ليس من باب الاستعراض والوجاهة بل يستند إلي دراسة وثقافة من شخص غير نمطي يعرف مسبقاً المسار الذي خطط له وملتزم باختياره الحر في بناء المسرحية علي مدى سنة كامل من الكتابة والمراجعة والنقد الذاتي حتى استقر علي هذا ال Form أو مايسمي بال Dramatic Structure
داخل النص ابعاد اشتراكية ، وأبعاد ثورية ، وابعاد وجودية ، وغلاف من مسرح العبث المعاصر ، ومساجة وطنية وانتماء حقيقي لمصر ولشعبها وحضارتها وتدينها الوسطي ، إنه عمل غني فيه الغناء والرقص والتمثيل بما يمثل جرعة ممتعة للمشاهد الذي يشاهد المسرحية.
وفي النهاية يبقى العمل الفني ملك للمتفرج وله مطلق الحرية في أن يصفق تحية لمنتج فني أو يختزل الطريق ويترك دار العرض غير معجب بمايقدم.
طارق حسن@2016