طريق الحرير الصيني في افريقيا

طريق الحرير الصيني في افريقيا



شاهدت على قناة الصين التي تبث على نايل سات باللغة العربية برنامج تسجيلي يشرح أهمية طريق الحرير الصيني الجديد ، الذي هو احياء لطريق الحرير القديم ولكن بفلسفة جديدة واسموه ( الحزام والطريق ).

طريق الحرير القديم كان يقوم على فلسفة التصدير من الصين وجلب العملات الصعبة من اجل تمويل مشاريع التنمية داخل الصين الكبيرة ، والتي كان يتفشى فيها الفقر ، ويحكمها الحزب الصيني الشيوعي. ولكن بمرور الزمن رأت الصين ان تنفتح اكثر على العالم وكانت أول الضربات هي الانسلاخ من المعسكر الشيوعي وتحرير العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية رأس الحربة في العسكر الرأسمالي.

بعد ذلك ساهمت امريكا في انشاء مصانع سيارات ومعدات وتكنولوجيا في الصين حيث رأى المستثمر الأمريكي أن الصين تقدم تسهيلات جبارة من حيث تحرير قوانين الاستثمار الاجنبي ورخص الأيدي العاملة وتوفير بنية تحتية قوية وفوق كل ذلك العامل الماهر المدرب تدريباً جيداً مما أغرى بقية دول أوروبا لفتح مصانع لها في الصين حتى أصبح من الطبيعي ان يكون ايفون الأمريكي مصنوع في الصين ، وتوسعت الصين بشكل رهيب في الصناعات الدقيقة والكبيرة على حد سواء.

لقد فتحت كل الشركات الكبرى مصانع في الصين ، فكل السيارات العالمية تنتج هناك ، ومكونات الأقمار الصناعية التي تطلقها أوروبا وامريكا تنتج في الصين ، بل إن الصين أصبحت لها منتجات خاصة بها وتنافس عالمياً مثل صناعة السيارات التي أصبحت الآن منتج معتمد في كل بلدان العالم ، وقريبا ستستحوذ الصين على انتاج طائرات نقل الركاب بدلا من بوينج وايرباص وغيرها.

شاهدت البرنامج الذي يوضح سياسة المنافع المتبادلة بدلا من التصدير احادي الاتجاه الذي كان في الماضي ، وعبر وزير التجارة الصيني في الحلقة عن هذه المنافع بشرح جذاب يشجع الدول على الانضمام لمبادرة الحزام والطريق فهو يقول : ان وسائل نقل البضاعة من الصين الى دول العالم ستعود ببضائع من تلك الدول ، ولن تعود فارغة مثلما كان يحدث في الماضي لأن مباردة الحزام والطريق تهدف الى تشغيل اسواق تلك الدول فإذا أنت صدرت فقط فسيأتي يوم لن يكون مع المستورد مال لكي يستورد ، اذن فنحن نصدر ونستورد حتى يدور المال ولايتوقف.

فكر جديد يستحق التأمل والرصد والتحليل ، لما له من تأثير على تنمية البلدان التي تتعامل مع التجارة الصينية ، على عكس التجارة مع الغرب التي مازالت تعتمد على التصدير فقط.

وتهتم الصين بمحيطها بالدرجة الأولى وجيرانها وتعمل مع سيرلانكا في تنمية عدة موانئ كبرى تستعين بها الصين في حركة التجارة البحرية ، بل ان الصين أنشأت بنك التنمية الأسيوي ، وبنك اخر تابع لمجموعة البريكس لتمويل مشروعات البنية التحتية في سريلانكا وغيرها من دول الجوار ، وقامت ببناء جسر كبير بطول 57 كليومتر بين الصين ومملكة لاوس وتم افتتاحه بالفعل لكي يكون جسر تجارة برية يساهم في خروج البضائع من الصين عبر لاوس ، وقالت الصين عبر وكالة الانباء الخاصة بها ان الجسر يخدم أيضاً أغراضا سياحية وثقافية بين البلدين.



مالم تعلن عنه الصين بعد هو العلاقة مع إيران وأفغانستان حيث ينظر العالم لهاتين الدولتين نظرة تربط بينهما وبين الإرهاب والتجارة غير المشروعة . ولكن المحللون يرون أن أفغانستان رئة مهمة للتجارة الصينية عبر هذه المساحة الشاسعة من الأراضي والجبال الفارغة التي تحتاج الى من يجعلها بيئة منتجة ، وتحكم افغانستان حركة طالبان الضالعة في الارهاب وتجارة الأفيون والحشيش من اجل شراء السلاح وفرض السيطرة على الدولة الأفغانية ، بل يمتد نشاط حركة طالبان لتأوي تنظيم القاعدة المعروف بتاريخه الدموي والراديكالية بإسم الدين الاسلامي، وهو ماسيكون أصعب امتحان لمباردة الحزام والطريق ، حيث ان التجارة لاتتفق والحرب ، ولاتتفق مع مناخ التوتر والصراعات بل تحتاج الى مجتمعات مستقرة واقتصاد متفرغ للتجارة.

تأتي افريقيا بعدد سكانها البلغ 1.2 مليار نسمة بعد جيران الصين حيث تعتبر أفريقيا اكبر سوق استهلاكي في العالم ، فدولها لاتنتج بقدر ماتسورد، وبها ثروات طبيعية لم تبح بأسرارها بعد ، وأرض خصبة ، وظروف مناخية معتدلة بشكل عام ، وبها أنهار، وتتوسط العالم وهي عوامل تفرض على الصين فتح أسواق في القارة السمراء.

قال احد رجال الأعمال الصينين في مقابلة خلال البرنامج : ان شعوب افريقيا تنظر لكل من هو ليس صاحب بشرة سمراء على أنه مستعمر ، فالصيني مثل الياباني مثل البريطاني كلهم مستعمرون ، ولذلك فشل مصنع الفوسفات الذي عملت على انشائه لمدة خمس سنوات ، بالاضافة الى القوانين المحلية التي كانت تتطلب انهاء ساعات العمل عند الخامسة ، وطلبت السلطات المحلية أن اقدم وجبات للعمال حيث يتوجب علي رعايتهم رعاية صحية واجتماعية وهذا أمر مرهق لصاحب العمل ، واشتكى بعض العمال من قلة الراتب ، وخنقت السلطات المحلية المشروع فاغلقته وعدت الى الصين. تختلف القوانين في افريقيا عن الصين فهنا تجد العامل لديه سجل طبي وتأمين صحي وجاهز للعمل بينما في افريقيا أنت يجب أن تنشئ كل شئ من الصفر لأن الحكومات لاتمويل برامج التأمين الصحي ، واذكر ان أول طبق استقبال أدخلناه للقرية النائية في نيجيريا كان بمثابة حدث تاريخي ، فهم ليس لديهم شبكة كهرباء أو صرف صحي ، وليس لديهم ماء نظيف ، كما أنهم يعيشون في بيوت متهالكة ، والطرق مازالت ترابية وضيقة ، بالاضافة الى فكرة القبائل التي تحكم المناطق في كثير من قرى أفريقيا.



بينماعرض البرنامج لأحد المسؤولين في الصين يتنتقد طريقة المستثمر الصيني الذي شن هجوما على نيجيريا وأغلق مصنعه ، وقال المسؤل: دائما مانقول لمستثمرينا ادرسوا البلدان التي سوف تذهبون إليها ، ادرسو النظام السياسي والعادات والتقاليد لهذه الشعوب حتى لايكون هناك قرار خاطئ قبل أن تتورطوا في قروض من البنك في الصين.

إن مبادرة الحزام والطريق تستخدم تقنية أخرى غير التي عمل بها ذلك المستثمر الذي اغلق مصنعه ، فالصين تريد أن يكون الاستمثار والعلاقات الانسانية والثقافية حزمة واحدة لاتتجزأ وعبر عن ذلك احد الصحفيين قائلا : إذا فقدنا العلاقات الانسانية والحضارية مع الدول التي سنرتبط بها في اطار مبادرة الحزام والطريق سيكون الاستثمار كمن يمشي برجل واحدة ، فالعلاقات الثقافية وتبادل الأفكار والفن والابداع تعزز فرص التلاقي مع الأخر.

وأضاف " إذا نظرنا بمفهموم القوميات الى مباردة الحزام والطريق لن تتقدم هذه المبادرة لأن ذوبان وانصهار الحضارات مع بعضها هو المكون الدائم ، بل هو السند الحقيقي لأي تجارة ناجحة ، وعندما ترسل الصين وفداً تجاريا لتوقيع اتفاقية تحرص على صحبة فرقة فنية مع الوفد حتى تقدم جزءا من تراثها المتعدد والغني ، فكل منطقة في الصين لها تراث خاص بها وأحيانا توجد لهجة محلية لها ، والصين دولة جمعت بين قوميات وديانات كثيرة وخلقت مجتمعاً يقود العالم حالياً الى انتعاش وتنمية دائمة ".
وفي نفس الوقت تحرص الصين على التعرف على الفنون والثقافة في افريقيا وهي أيضا متنوعة وغنية ، وقدمت للعالم الرقص والموسيقى التي منها موسيق الريجي وغيرها.




الخلاصة:-
قد تكون أفريقيا هي الرهان الأول حال تعثر أفغانستان وإيران في حل نزاعاتهما ولذلك تهرول إيران حاليا للمصالحة الخليجية ، وتسعى الى ارضاء دول الخليج ومصر لأنها تدرك حجم المال الذي سيتدفق الى خزائنها اذا انفتحت الحدود مع دول الخليج واوروبا ومن ثم مصر التي تعد بوابة أفريقيا بما لها من ثقل سياسى وموقع خغرافي وقوة اقتصادها وتصدرها لتصنيفات التتبع الاقتصادي والتنموي في عهد الريس عبد الفتاح السيسي .

وفي كل الأحوال تضع الصين دول افريقيا نصب عينيها وتعتمد على مصر اعتماداً غير محدود في فتح هذه الأسواق على اساس ان مصر لها شراكات كثيرة وعميقة مع دول القارة.

طارق حسن
ديسمبر 2021

 

 

 


Tarek Hassan Blog

كانت موهبة كتابة المقالات تستهويني ولكن في سنة 2000 عرض علي الاستاذ نبيل ذكي رئيس تحرير جريدة الأهالي أن اكتب مقالات عن المعرفة و(الانترنت التي كانت جديدة ) وأن اعرف الناس بخباياها فعملت مقال كبير وأخبار وأصبحت احرر صفحة كاملة بمفردي بشكل اسبوعي . نشررت في كل مجلات وصحف الوطن العربي تقريبا

إرسال تعليق

أحدث أقدم