حكمة الغرب


 حكمة الغرب




لا تأخذك الذكريات إلى ذلك الكتاب الجميل الذي صدر في جزءين عن سلسلة ( عالم المعرفة ) الكويتية ، والذي ألفه مفكر بريطاني كبير هو ( برتراند راسل ) رغم أن كل المفكرين في الغرب كانوا يوطنون فكرة الهيمنة والاستحواذ بشكل أو بآخر.

بل أكتب عن حكمة الغرب الحالية ، تلك الحكمة العقيمة التي تمخضت فأنجبت أسوأ ماعند العالم الرأسمالي ، ذلك النظام المحكوم عليه بالتآكل منذ سنوات بعيدة ، تبعا لنظرية الحتمية التاريخية.

حكمة الغرب تتجلى الآن في مظاهر أخرى ، تعتمد على تصدير صورة ( العبيط ) للحضارات الشرقية ، واستقطاب ( الأعبط ) فينا وتجنيده لتنفيذ أفكار الهدم والتخريب في الحضارات المستقرة ، لأنهم ـ أي الغرب ـ لا زالوا يعانون من عقدة مجد الحضارات القديمة وخاصة حضارات الشرق 

إنظر الى مصر ، الصين ، الهند ، سوريا ، العراق وأضف عليهم اليونان ، ستجد أنها حضارات أساس العالم ، بل الوجود الانساني كله، فيما لا تجد الولايات المتحدة ( شعراً تتعايق به ) سوى (شعربنت أختها) الحضارة اليهودية ، وهي حضارة محترمة كونها تعتمد على الدين اليهودي الذي أمرنا الله أن نصدقه ونصدق جميع الأنبياء ورسالاتهم السماوية

لكن هناك فرق بين الدين اليهودية كدين له قواعده والدولة العبرية  التي تعتمد الطريق الصهيوني، وهونفس الفارق الكبير بين الدين المسيحي السمح وبين الدولة الأمريكية الاستعمارية . بل هناك مساحة طغيان من الدولة الأمريكية على الأديان ، وعلى الحضارات وعلى الانسانية ، وهو طغيان استعماري توحشي ، يصل الى حد الهدم ومحو الحضارات وأبناء الحضارات ، ذلك لأن ( هيننجتون ) لعب في عقولهم وألف مجموعة مقالات حلوها الى كتاب أسماه ( صراع الحضارات ) وتلفقته دوائر الأمن القومي الأمريكية وصنعت منه أبحاث وخطط ومتكآت لهدم الجميع 

تلك حكمة الغرب التي تتجلى في الغطرسة والهيمنة ، والاجتياح والاستحواذ ثم محو الجميع من أجل أن يظل التاريخ الوحيد للإنسانية هو تاريخ أمريكا ذات الخمسمائة عام ( بالبقشيش والفكة.)

قديماً قال (ماركس ) : إن عوامل اضمحلال وتآكل النظام الرأسمالي كامنه في النظام نفسه ، لأنه يسمح باستحواذ الفرد القوي نتيجة استحواذه على المال أو السلطة أو كليهما معاً مما سيضع الأضعف في موقف المواجهه  دفاعا عن وجوده 

الأضعف هو من لا يملك قوت يومه ، وهو من لا يملك لحظة الشبع ، وهو الذي وصل الى حد أن تتساوى لحظة الموت جوعا أو الموت قتالا ، إنها لحظة مهمة في مسار البشرية ، وهي أن تتحول إلى ( ساموراي ) ضد العدو  ، والتاريخ يشهد على مافعلته تلك الهيمنة في هيروشيما ونجازاكي وفييتنام ثم العراق وسوريا

هكذا تدفع أمريكا الشعوب الى أن تكون ساموراي ، أي تنتحر في العدو ، مثلما كان الطيارون اليابانيون ينتحرون بطائراتهم في السفن الأمريكية ، فأنت ميت لا محالة وعوضا عن أن يكون موتك مجاني ، تنتحر في العدو فتكبده خسائر قد لا تتوفر لك في نزال عادي لأن الميزان ليس في جانبك .

هذه المقالة ليست ساخرة ، وإنما من أجل أن تكون صفحة مهمة في الرسائل التي تتوجه للغرب الذي يتلاعب بالشعوب من أجل مصالح أمريكية عامة، وصهيونية خاصة ، في الوقت الذي لن تجد أوروبا مفراً من اعلان الانفصال عن الناتو والتفكك من الحلف الأمريكي ، لأنه من المستحيل أن تماسك النظام الرأسمالي أكثر من ذلك ، فهو نظام محلي وليس نظاما كونياُ ، وهو مؤقت وليس دائم ، وهو مرقع وملئ بالثغرات وليس كاملاً ، وهو فردي وليس جمعي ، وهو تناقصي وليس نظاماً تزايدياً لأنه ينمى ثروات أفراد على حساب المجموع 

لست الأول ولا الأخير الذي يكتب في نقد الرأسمالية المستغلة ، بل هناك مجلدات سبقتني ، لكني أكتب بدافع الألم والبحث عن خلاص من محنة وضعنا الغرب فيها ، في الوقت الذي أصبح فيه عدد الأنفس الرخيصة كبيراً ، وعدد بائعي الضمير بالملايين ، وعدد الجهلة وعديمي الوطنية ملئ الشوارع 

فيما ينعزل الفاهمون ويتقوقعون ، ولا يرشدون الناس الى الحقيقة ، هاربين من المسؤولية المجتمعية ، وقد أخترت للمقال يخاطب الخاصة والصفوة .من أجل الوصول الى تفاعلات وحوار بناء.



هل وصلنا إلى المشهد الأخير ؟

بالطبع لا

نحن في مشهد حاسم ، لكن ليس بالمشهد النهائي ، في لحظات درامية صعبة لكنها ليست الأصعب ، فنحن في مشهد وجودي بحت ولنا خيارات عديدة ، قد يراها معي البعض وقد لايدركها البعض وهذا يتوقف على البصيرة وليس قوة النظر .

فحكمة الغرب أن يتلقف أشباه المتعلمين ليصنع منهم نماذج زائفه لمجد العلم أو الشهرة أو الاعلام ، أو .. أو وأما حكمتنا فهي أن نظهر الأجود والأنفع.

حكمة الغرب أن يجند ضعاف النفوس والمرتزقة والخائنين وحكمتنا أن نمنح الفرص للحقيقيين والعاشقين للوطن ليس من المخلصين أو ذوي الولاء فقط ( بل من المعدن النقي ، من المتنورين ، من أبناء تراب الوطن بشرط عدم وجود الواسطات والرشاوى ).

حكمة الغرب أن يقلب الحقائق وحكمتنا أن نعدل الميزان ونريه للناس معدولا .. وحقاً موزونا .

حكمة الغرب أن ينتج القفر والجهل وحكمتنا أن ننتج العلاج والعلم والمعرفة ونسلح بهم الناس ، ونشركهم في بناء الحلم وليصنعوه على عيونهم .

وأخيرا ، حكمة الغرب في الهدم وحكمتنا في خلق معادلة البناء وتشجيع الناس على بناء الحضارة ، ومواصلة الرسالة الانسانية كوننا مميزون من الخالق بأننا مهد الانسانية فعلينا دور كبير في تعمير وعمران الكون والانسانية ، فمنذ الفراعنه ونحن نبني ، بل نحن البناؤون الأول والأصليون ، والغرب مزور ويجب فضحه بالبناء وليس بالقول .

وهاك نموذجاً حي على البناء والعمار وشحن الطاقات الايجابية في مصر يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسي متسلحاً بالولاء للمجتمع والايمان والصبر وحسن التخطيط وذكاء التنفيذ وهي مشروعات حية تشهد على عبقرية الرجل الذي أخرج مصر من عصور الظلام الي طاقات الأمل الواقعي.

كما أن النماذج الأخرى التي يتبناها الغرب هي نماذج مشوهة نفسياً وعقيمة عملت على هدم الدول وكسر ارادة الشعوب وجندت نفسها لخدمة أغراض الصهيونية مثل قطر وتركيا .. فتم توظيف اشرار الغرب في معسكرات تحت مسمى ( داعش ) وهم أشرار مدربون تدريباً قتالياً عالياً من أجل العمل على هدم الجيوش وكسر همة مصر وسوريا وليبيا واليمن والبحرين والعراق وتونس ... والبقية ستأتي.

إذن، فصراع الحضارات كما يروج له الغرب ليس صراعاً عفوياً ولكنه مرتب وممنهج من أجل النفط والغاز والثروات الطبيعية والمواقع الجغرافية المتميزة ، حتى وإن تلونت وتزركشت المسميات والمصطلحات التي يروج لها الغرب تحت شعارات مثل : الديموقراطية ، المساواة ، العدالة الاجتماعية ، حقوق الانسان. فنظرة لحقوق الانسان في حرب فييتنام كفيلة بسجن قادة الولايات المتحدة جميعا بل والاعدام عليناً.

هكذا تتجه حكمة الغرب الى عبيثية المصير ، بينما تتجه حكمة الشرق الى الاستمرار والنجاة من العدم . 

طارق حسن .. كبير مقدمي البرامج بقناة القاهرة .. التليفزيون المصري 2015


Tarek Hassan Blog

كانت موهبة كتابة المقالات تستهويني ولكن في سنة 2000 عرض علي الاستاذ نبيل ذكي رئيس تحرير جريدة الأهالي أن اكتب مقالات عن المعرفة و(الانترنت التي كانت جديدة ) وأن اعرف الناس بخباياها فعملت مقال كبير وأخبار وأصبحت احرر صفحة كاملة بمفردي بشكل اسبوعي . نشررت في كل مجلات وصحف الوطن العربي تقريبا

إرسال تعليق

أحدث أقدم